محمد بنعزيز
يحاول فيلم "صمت الفراشات" 2018 لحميد باسكيط حل معادلة من ثلاثة مجاهيل. من هنا ينبع التشويق. لا يستطيع المتفرج تخمين ما سيجري. ثلاثة أفراد يحققون دفعة واحدة.
وقد عرض الفيلم ضمن مسابقة مهرجان الفيلم المغاربي بوجدة في يونيو 2018. فيلم بوليسي غنائي عاطفي، وحسب ملخصه فقد وُجدت سـميرة، وهي مغنيـة أوبرا شـهيرة (أداء السوبرانو سميرة القادري) ميتـة في منزلهـا الشـاطئي، وبعـد إعـادة البحـث استنتجت الشـرطة أن ما جرى جريمة وليس انتحارا. يتولى العميد جمال (رشيد الوالي) التحقيـق، ويشـك أولا في عمـر (أمين الناجي) زوج سـميرة. هكذا تجري معركـة شرسـة بيـن رجلـين، من سينتصر؟.
عندما وصلت الكاميرا إلى موقع الأحداث كان كل شيء قد جرى..لهذا يُنتظر أن يكشف لنا الفلاش باك ما جرى. يأخذ الفيلم المتفرج في رحلة إلى الماضي. نرى فراشة تحوم حول ماضيها، تحوم حول مكان الجريمة..وبذلك يُركّب الفيلم زمنين: أيام التحقيق التي تبدأ بالجريمة، وأيام المأساة التي تؤدي إليها. في الفيلم تركيز على ماضي القتيلة أكثر من التركيز على مستقبل من حولها. تدور عقارب الساعة إلى الخلف، وهذا يُصعب المتابعة.
حسب ما يسميه تزفيتان تودوروف النص الروائي البوليسي المعيار "في كل قصة بوليسية حادثتا قتل". ينطبق هذا على الفيلم. يضيف تودوروف أن "في القصة قصتان: قصة الجريمة وقصة التحقيق".
في مقالة "أنماط الرواية البوليسية" ضمن كتاب "كتاب شعرية النثر" ترجمة عدنان محمود محمد وزارة الثقافة دمشق 2011 ص 7-20.. وجه الشبه الثالث أن شخوص القصة الثانية، أي قصة التحقيق، لا يتصرفون، بل يتعلمون ولا يمكن أن يحصل لهم شيء لأن هناك قاعدة لهذا الجنس السردي تنص على حصانة المحقق في الجريمة.. لا يُجرح ولا يقتل.. يبقى لنعرف بواسطته.
لا ممر يصل بين اللغز وحله
يحاول الفيلم الروائي الطويل الأول لحميد باسكيط حل لغزين، لغز القتل ولغز النسب. أحيانا يلتبس المجرم مع المحقق. مرحليا يتضح أن هناك شرطيا يحقق في جريمته، لكن فجأة يبزغ حل اللغز من قصة ثالثة فرعية. وبطلة القصة الفرعية هي ابنة القتيلة (أداء سارة بيرلس). وبإضافته هذا المجهول الثالث في القصة الفرعية يُشوش المتفرج، ويزداد هذا التشويش مع غياب معلومات بصرية في التحقيق.
لا تظهر الأدلة الجُرمية مرحليا، بل يأتي حل اللغز دفعة واحدة بدل كشفها بالتدرج. هناك جريمة بالصدفة لا بالقصد. وبسعيه إلى مفاجأة المتفرجين فإن الفيلم لا يشركهم في اكتشاف السر. كما أن في الفيلم رجالا يتزوجون نساء أكبر منهم سنا، وهذا ليس ضمن الاحتمالات والممكنات التي يهضمها المتفرج المغربي. سيضعف ذلك التشويش آمال صمود الفيلم في القاعات السينمائية.
تتعرض القصة الرئيسية للتشويش بسبب القصص الفرعية (شابة تحاول إغواء رجل محبط، بيودوفيليا مقحمة). يبدو أن كثرة الأيدي ليست دائما مفيدة في كتابة السيناريو.
للإشارة فقد حصل الفيلم على الدعم المالي من المركز السينمائي المغربي في 2014، وصدر في 2018. وقد جرت إعادة كتابة السيناريو حسب تصريحات الدكتور سكريبت محمد العروسي الذي تعاون مع المخرج على الكتابة الثانية لسيناريو كتبته نادية هدى.
قدم فيلم "الفراشة" لأول مرة في دورة مهرجان طنجة مارس 2018، ولم يحصل على أي جائزة لأن المنافسة كانت قوية.
في "الفراشة" أدى رشيد الوالي بشكل متميز، ومن جديد تفوق أمين الناجي في دوره كابن فلاح صار طبيبا وسكن المدينة وتزوج امرأة متحررة. يقدم الناجي المطلوب فقط. ولا يزيد من عنده؛ يؤدي دورا في بيئة لا تطابق المنظومة البدوية التي تربى فيها.
أدت سارة بيرلس دورا أعقد من دورها في فيلم "بورن آوت" لنور الدين الخماري 2017. سارة الجريئة في عهد السينما النظيفة. عندما يتم اللجوء إلى ممثلة من أصل أجنبي لكشف صدرها فهذا لا يثير فضيحة. الغيرة الشعبية مرتبطة بالممثلة المحلية فقط، وهي وحدها الملزمة بالستر.
كانت سارة تستحق جائزة أحسن ثاني دور نسائي في مهرجان طنجة، وقد ذهبت الجائزة إلى الشابة دنيا بنبين في فيلم "غزية" لنبيل عيوش.
حتى لو لم يحصل الفيلم على جائزة في مهرجان تتاح له فرصة العرض في مهرجانات أخرى داخل المغرب، وهذا من الأدلة على وجود حياة سينمائية حقيقية في المغرب، وهذا مبهج. ويظهر هذا للمراقبين من خارج المغرب أكثر مما يظهر لمن في الداخل، ويحتج لأتفه سبب.
لقد مكنتني عضوية لجنة جوائز نقاد السينما العربية من المقارنة أثناء مشاهدة أفلام عربية كثيرة، منها ما عرض في مهرجانات دولية، يجمعها تمجيد الثورة في مجتمعات طائفية قبلية فيها عنف وتفكك اجتماعي رهيب. أفلام منفصلة عن واقعها يصورها مخرجون مهاجرون وتفتقد اللمسة الحداثية السائدة في الفيلم المغربي الذي لا يضخم "الربيع العربي".
لا تزعم الأفلام المغربية أن الثورة ستقوم غدا، وهذا يعرضها للتجاهل من طرف "سينفيليي" المهرجانات الحالمين بالتغيير.
المصدر